منتدى الجنوب التعليمي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.أخي أختي يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام إلى اسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك في منتدى الجنوب التعليمي للجزائريين والعرب.أعلام الاسلام 11
منتدى الجنوب التعليمي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.أخي أختي يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام إلى اسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك في منتدى الجنوب التعليمي للجزائريين والعرب.أعلام الاسلام 11
منتدى الجنوب التعليمي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الجنوب التعليمي


 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

إلا رسول الله

 

 أعلام الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:09

سعيد بن المسيب

الإسلام عزيز بك وبأمثالك أيها الرجل..إنك كالجبل الراسخ، وقفت في وجه
الطغاة..علمتنا أن الحقَّ الأعزل قادر على أن يقف في وجه الباطل المدجج
بالسلاح، وأن المؤمن لا تزيده المحن إلا عزة وإيمانًا، أما الظالم فيرجع إلى
الوراء، يتخاذل ويتقهقر، يخشى سيف الحق وعزة الإسلام، فهنيئًا لك يا
سيد التابعين.
بعد مضي سنتين من خلافة الفاروق عمر -رضي الله عنه- ولد (سعيد بن المسيب)
في المدينة المنورة؛ حيث كبار الصحابة، فرأى عمر بن الخطاب، وسمع عثمان بن
عفان، وعليًّا، وزيد بن ثابت، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة..وغيرهم،
فنشأ نشأة مباركة، وسار على نهجهم، واقتدى بأفعالهم، وروى عنهم أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج بنت الصحابي الجليل أبي هريرة، فكان
أعلم الناس بحديثه.
وهبه الله في نشأته الباكرة ذكاءً متوقدًا، وذاكرة قوية، حتى شهد له كبار
الصحابة والتابعين بعلو المكانة في العلم، وكان رأس فقهاء المدينة في
زمانه، والمقدم عليهم في الفتوى، حتى اشتهر بفقيه الفقهاء، وكان عبد الله
بن عمر -رضي الله عنه- وهو المقدم في الفتوى بالمدينة آنذاك- إذا سئل عن
مسألة صعبة في الفقه، كان يقول: سلوا سعيدًا فقد جالس الصالحين.
ويقول عنه قتادة: ما رأيت أحدًا قط أعلم بالحلال والحرام منه، ويكفي ابن
المسيب فخرًا أن الخليفة العادل (عمر بن عبد العزيز) كان أحد تلاميذه،
ولما تولى عمر إمارة المدينة لم يقض أمرًا إلا بعد استشارة سعيد، فقد أرسل
إليه عمر رجلاً يسأله في أمر من الأمور، فدعاه، فلبي الدعوة وذهب معه،
فقال عمر بن عبد العزيز له: أخطأ الرجل، إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.
وعاش سعيد طيلة حياته مرفوع الرأس، عزيز النفس، فلم يحنِ رأسه أبدًا لأي
إنسان، حتى ولو ألهبوا ظهره بالسياط، أو هددوه بقطع رقبته، فها هو ذا أمير
المدينة في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان يأمره بالبيعة للوليد بن عبد
الملك، فيمتنع
فيهدده بضرب عنقه، فلم يتراجع عن رأيه رغم علمه بما ينتظره من العذاب، وما
إن أعلن سعيد مخالفته حتى جردوه من ثيابه، وضربوه خمسين سوطًا، وطافوا به
في أسواق المدينة، وهم يقولون: هذا موقف الخزي!! فيرد عليهم سعيد في ثقة
وإيمان: بل من الخزي فررنا إلى ما نريد.
ولما علم عبد الملك بما صنعه والى المدينة لامه وكتب إليه: سعيد..كان
والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عنده من خلاف،
وبعد كل هذا التعذيب الذي ناله سعيد جاءه رجل يحرضه في الدعاء على بني
أمية، فما كان منه إلا أن قال: اللهم أعز دينك، وأظهر أولياءك، وأخزِ
أعداءك في عافية لأمة محمد
صلى الله عليه وسلم.
صلى (الحجاج بن يوسف الثقفي) ذات مرة، وكان يصلى بسرعة، فلم يتم ركوع
الصلاة وسجودها كما يجب، فأخذ سعيد كفًا من الحصى ورماه به، فانتبه الحجاج
لذلك واطمأن وتمهل في صلاته، وكان ذلك قبل أن يتولى الحجاج الإمارة، ورفض
سعيد أن تكون ابنته أعظم سيدة في دولة الخلافة الإسلامية؛ وذلك حين أراد
الخليفة عبد الملك بن مروان أن يخطب ابنة سعيد لولي عهده الوليد، لكن
سعيدًا رفض بشدة، وزوج ابنته من طالب علم فقير.
فقد كان لسعيد جليس يقال له (عبد الله بن وداعة) فأبطأ عنه أيامًا، فسأل
عنه وطلبه، فأتاه واعتذر إليه، وأخبره بأن سبب تأخره هو مرض زوجته وموتها،
فقال له: ألا أعلمتنا بمرضها فنعودها، أو بموتها فنشهد جنازتها، ثم قال:
يا عبد الله تزوج، ولا تلق الله وأنت أعزب، فقال: يرحمك الله ومن يزوجني
وأنا فقير؟ فقال سعيد: أنا أزوجك ابنتي، فسكت عبد الله استحياء، فقال
سعيد: مالك سكت، أسخطًا وإعراضًا؟ فقال عبد الله: وأين أنا منها؟ فقال: قم
وادع نفرًا من الأنصار، فدعا له فأشهدهم على النكاح (الزواج)، فلما صلوا
العشاء توجه سعيد بابنته إلى الفقير ومعها الخادم والدراهم والطعام،
والزوج لا يكاد يصدق ما هو فيه!!
وحرص سعيد على حضور صلاة الجماعة، وواظب على حضورها أربعين سنة لم يتخلف
عن وقت واحد، وكان سعيد تقيًّا ورعًا، يذكر الله كثيرًا، جاءه رجل وهو
مريض، فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه، فقال له ذلك الرجل: وددت أنك
لم تتعن ولا تتعب نفسك، فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله وأنا مضطجع،
ومن احترامه وتوقيره لحرمات الله قوله: لا تقولوا مصيحف ولا مسيجد، ما كان
لله فهو عظيم حسن جميل، فهو يكره أن تصغر كلمة مصحف، أو كلمة مسجد أو كل
كلمة غيرهما تكون لله تعالى إجلالا لشأنها وتعظيمًا.
ومرض سعيد، واشتد وجعه، فدخل عليه نافع بن جبير يزوره، فأغمى عليه، فقال
نافع: وَجِّهوه، ففعلوا، فأفاق فقال: من أمركم أن تحولوا فراشي إلى
القبلة..أنافع؟ قال: نعم، قال له سعيد: لئن لم أكن على القبلة والملة
والله لا ينفعني توجيهكم فراشي، ولما احتضر سعيد بن المسيب ترك مالاً،
فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لأصون بها ديني، ومات سعيد سنة
ثلاث أو أربع وتسعين من الهجرة، فرحمه الله رحمة واسعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:11

سعيد بن جبير

وُلِدَ سعيد بن جبير في زمن خلافة الإمام على بن أبي طالب - رضي الله عنه-
بالكوفة، وقد نشأ سعيد محبًّا للعلم، مقبلاً عليه، ينهل من معينه، فقرأ
القرآن على
ابن عباس، وأخذ عنه الفقه والتفسير والحديث، كما روى الحديث عن أكثر من
عشرة من الصحابة، وقد بلغ رتبة في العلم لم يبلغها أحد من أقرانه، قال
خصيف بن عبد الرحمن عن أصحاب ابن عباس: كان أعلمهم بالقرآن مجاهد وأعلمهم
بالحج عطاء، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن
جبير.
وكان ابن عباس يجعل سعيدًا بن جبير يفتي وهو موجود، ولما كان أهل الكوفة
يستفتونه، فكان يقول لهم: أليس منكم ابن أم الدهماء؟ يعني سعيد بن جبير،
وكان سعيد بن جبير كثير العبادة لله، فكان يحج مرة ويعتمر مرة في كل سنة،
ويقيم
الليل، ويكثر من الصيام، وربما ختم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام،
وكان سعيد بن جبير مناهضًا للحجاج بن يوسف الثقفي أحد أمراء بني أمية،
فأمر الحجاج بالقبض عليه، فلما مثل بين يديه، دار بينهما هذا الحوار:
الحجاج: ما اسمك؟
سعيد: سعيد بن جبير.
الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
سعيد: بل أمي كانت أعلم باسمي منك.
الحجاج: شقيتَ أنت، وشقيتْ أمك.
سعيد: الغيب يعلمه غيرك.
الحجاج: لأبدلنَّك بالدنيا نارًا تلظى.
سعيد: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهًا.
الحجاج: فما قولك في محمد.
سعيد: نبي الرحمة، وإمام الهدى.
الحجاج: فما قولك في على بن أبي طالب، أهو في الجنة أم في النار؟
سعيد: لو دخلتها؛ فرأيت أهلها لعرفت.
الحجاج: فما قولك في الخلفاء؟
سعيد: لست عليهم بوكيل.
الحجاج: فأيهم أعجب إليك؟
سعيد: أرضاهم لخالقي.
الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟
سعيد: علم ذلك عنده.
الحجاج: أبيتَ أن تَصْدُقَنِي.
سعيد: إني لم أحب أن أكذبك.
الحجاج: فما بالك لم تضحك؟
سعيد: لم تستوِ القلوب..وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين
تأكله النار.
وهب سعيد حياته للإسلام، ولم يَخْشْ إلا الله، ولد في الكوفة، يفيد الناس
بعلمه النافع، ويفقه الناس في أمور دينهم ودنياهم، فقد كان إمامًا عظيمًا
من أئمة الفقه في عصر الدولة الأموية، حتى شهد له عبد الله بن عباس -رضي
الله عنهما- بالسبق في الفقه والعلم، فكان إذا أتاه أهل مكة يستفتونه
يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء (يقصد سعيد بن جبير).
كان سعيد بن جبير يملك لسانًا صادقًا وقلبًا حافظًا، لا يهاب الطغاة، ولا
يسكت عن قول الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فألقى الحجاج بن يوسف
القبض عليه بعد أن لفق له تهمًا كاذبة، وعقد العزم على التخلص منه، لم
يستطع الحجاج أن يسكت لســانه عن قول الحق بالتـهديد أو التخويف، فقد كان
سعيد بن جبير مؤمنًا قوي الإيمان، يعلم أن الموت والحياة والرزق كلها بيد
الله، ولا يقدر عليه أحد سواه.
اتبع الحجاج مع سعيد بن جبير طريقًا آخر، لعله يزحزحه عن الحق، أغراه
بالمال والدنيا، وضع أموالا كثيرة بين يديه، فما كان من هذا الإمام الجليل
إلا أن أعطى الحجاج درسًا قاسيًا، فقال: إن كنت يا حجاج قد جمعت هذا المال
لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما
أرضعت.
لقد أفهمه سعيد أن المال هو أعظم وسيلة لإصلاح الأعمال وصلاح الآخرة، إن
جمعه صاحبه بطريق الحلال لاتـِّقاء فزع يوم القيامة..{يوم لا ينفع مال ولا
بنون
إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء:88-89].
ومرة أخرى تفشل محاولات الحجاج لإغراء سعيد، فهو ليس من عباد الدنيا ولا
ممن يبيعون دينهم بدنياهم، وبدأ الحجاج يهدد سعيدًا بالقضاء عليه، ودار
هذا المشهد بينهما:
الحجاج: ويلك يا سعيد!
سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟
سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة.
الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟
سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر.
الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرجوا ليقتلوه، بكي ابنه لما رآه في هذا الموقف، فنظر إليه سعيد وقال
له: ما يبكيك؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة؟ وبكي أيضًا صديق له، فقال
له سعيد: ما يبكيك؟
الرجل: لما أصابك.
سعيد: فلا تبك، كان في علم الله أن يكون هذا، ثم تلا: {ما أصاب من مصيبة
في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد:22] ثم ضحك
سعيد، فتعجب الناس وأخبروا الحجاج، فأمر بردِّه، فسأله الحجاج: ما أضحكك؟
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك.
الحجاج: اقتلوه.
سعيد: {وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 79].
الحجاج: وجهوه لغير القبلة.
سعيد: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115].
الحجاج: كبوه على وجهه.
سعيد: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55].
الحجاج: اذبحوه.
سعيد: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده
ورسوله، خذها مني يا حجاج حتى تلقاني بها يوم القيامة، ثم دعا سعيد ربه فقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
ومات سعيد شهيدًا سنة 95هـ، وله من العمر سبع وخمسون سنة، مات ولسانه رطب بذكر الله.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:12

الحسن البصري

يروى أن رجلاً اغتابه، فما كان منه إلا أنه أرسل له بطبق من الحلوى قائلاً له: بلغني أنك نقلت حسناتك إلى ديواني وهذه مكافأتك!!
إنه (الحسن البصري بن أبي الحسن يسار) وكنيته (أبو سعيد) ولد في المدينة
عام واحد وعشرين من الهجرة، كان أبوه من سبي (ميسان) من بلاد فارس، سكن
المدينة وبها أعتق، وتزوج بمولاة أم سلمة -رضي الله عنها- (خيرة) فكانت أم
سلمة -رضي الله عنها- تبعث أم الحسن البصري لتقضي لها الحاجة، وتترك
(الحسن) فيبكي وهو طفل فترضعه أم سلمة، وتخرجه إلى أصحاب رسول الله -صلى
الله
عليه وسلم- وهو صغير فكانوا يدعون له، فأخرجته إلى عمر -رضي الله عنه- فدعا له وقال: (اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس).
تعلم في مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحفظ القرآن في العاشرة من
عمره، وتتلمذ على أيدي كبار الصحابة في مسجد الرسول -صلى الله عليه
وسلم- روى الحديث عن علي وعثمان وعبد الله بن عمرو وابن عباس وغيرهم رضي
الله عنهم، ثم رحل إلى البصرة، فكان فقيهها وعالمها، وشيخ القراء فيها،
أقبل الناس عليه يتلقون عنه العلم، ويأخذون منه الحكمة، فقد كان موضع
إعجاب العلماء والتلاميذ، فقد قال أنس بن مالك: سلوا الحسن، فإنه حفظ
ونسينا، وقال عنه أحد تلاميذه: ترددت على مجلس الحسن عشر سنين، فليس من
يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك.
وكانت حلقته في المسجد يدرس فيها الحديث والفقه وعلوم القرآن واللغة، وكان
من تلاميذه من يصحبه للحديث، ومنهم من يصحبه للقرآن، ومنهم من يصحبه
للبلاغة واللغة، وكان دائمًا ينصح تلاميذه قائلاً: إذا طلب الرجل العلم
فينبغي أن يرى ذلك في تخشعه وزهده ولسانه وبصره.
لقد نذر الحسن البصري حياته لله تبارك وتعالى، فكان همُّه الأول النصح
والإرشاد، فأقبل عليه طلاب العلم إقبالاً عظيمًا، فذاع صيته، واتسعت
حلقاته بالمسجد حتى لقِّب بـ(إمام البصرة)..لازمته ظاهرة البكاء والخشية
من الله، وعندما سئل عن ذلك قال: (نضحك ولا ندري، لعل الله قد اطلع على
أعمالنا، فقال لا أقبل منكم شيئًا) وسجَّل له التاريخ على صفحاته البيضاء
موقفه من الحجاج بن
يوسف، وقد كـان الحسـن البصــري من أشد الناس وأشجعهم، وكان (المهلب بن أبي صفرة) إذا قاتـل عدوًّا يجعله في مقدمة الجيش.
وكان الحسن البصري يعتبر أن حياة القلب وسلامته طريق الإيمان الحق، وفي
ذلك كان يراسل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في هذا الشأن فيقول له:
(سلام
عليك، أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات، فأجابه عمر: (سلام عليك كأنك بالدنيا ولم تكن، وكأنك بالآخرة لم تزل).
وجلس الحسن ذات يوم في مسجد البصرة الكبير يفسر قوله تعالى: {ألم يأن
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} [الحديد: 16] ثم وعظ الناس وعظًا
بليغًا حتى أبكاهم، وكان من بينهم شاب يقال له (عتبة) فقام وقال أيها
الشيخ: أيقبل الله تعالى الفاسق الفاجر مثلي إذا تاب؟ فقال الحسن: نعم،
يقبل توبتك عن فسقك
وفجورك، فلما سمع الشاب ذلك صاح صيحة وخرَّ مغشيًّا عليه، فلما أفاق دنا الحسن البصري منه وقال له:
أيا شاب لرب العرش عاصـــــي
أتدري ما جزاء ذوي المعاصـــي
سعير للعصاة لها زفيـــــــــر
وغيظ يوم يؤخذ بالنواصــــــي
فإن تصبر على النيران فاعصــــه
وإلا كن عن العصيان قاصـــــي
وفيم قد كسبت من الخطايــــا
رهنت النفس فاجـهر في الخـــلاصِ
فخرَّ الشاب مغشيًّا عليه، ثم أفاق، فسأل الحسن: هل يقبل الرب الرحيم توبة
لئيم مثلي؟ فقال الحسن: هل يقبل توبة العبد الجافي إلا الرب المعافي؟! ثم
رفع رأسه، ودعا له؛ فأصلح الله حال الشاب.
ومن أقواله لتلاميذه: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاثة:
أنه لم يشبع بما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه، يابن
آدم إنما أنت
أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك، الفقيه هو الزاهد في الدنيا، البصير بدينه
المداوم على عبادة ربه، تفكر في الله ساعة خير من قيام ليلة، يا عجبًا من
ضاحك ومن ورائه النار، ومن مسرور ومن ورائه الموت.
وقال ناصحًا تلميذًا له:
إذا جالستَ العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن
الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثه وإن طال حتى يمسك.
وفارق الحسن دنيا الناس سنة 110 هـ عن نحو ثمان وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة، صلوا عليه عقيب الجمعة، وشيعه خَلْق كثير.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:16

جعفر الصادق

استقبلت المدينة المنورة مولودًا من ذرية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ولد (جعفر الصادق بن محمد الباقر) وكان ذلك سنة 80هـ.
نشأ جعفر في داصر الهجرة النبوية الشريفة، معتزًّا بنسبه؛ فجده لأبيه هو الإمام
على بن أبي طالب -رضي الله عنه- وجده لأمه صديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الخليفة (أبو بكر الصديق).
استمع جعفر لنصائح والده الذي أخذ يقول له: (إياك والكسل والضجر، فإنهما
مفتاح كل شر، إنك إن كسلتَ لم تؤدِّ حقًّا، وإن ضجرتَ لم تصبر على حق، إن
طلب العلم من أداء الفرائض خير من الزهد) واستجاب جعفر لنصائح والده، فحفظ
القرآن الكريم وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفهمهما فهمًا
جيدًا، فلما بلغ جعفر مبلغ الشباب، ورأى آل بيت النبي -صلى الله عليه
وسلم- وخلافهم مع الدولة الأموية، وشاهد عمه زيدًا قتيلا؛ بكى وحزن عليه
حزنًا
شديدًا، ورأى أن خير ما يقاوم به هذا الظلم هو كلمة الحق التي تنير طريق الناس وتحركهم للدفاع عن المظلومين.
فقد تعلم من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن طلب العلم ونشره جهاد
في سبيل الله، بل إنه فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن الله تعالى جعل
للعلماء مكانة بين الأنبياء والشهداء؛ فاهتم جعفر بعلوم الطبيعة والكيمياء
والفلك والطب والنبات والأدوية إلى جانب دراسته للقرآن والحديث والفقه،
وظل جعفر يدرس ويقرأ في كل العلوم؛ حتى أشرفت دولة بني أمية على الزوال؛
فأرسل إليه المؤيدون لآل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينتهز
الفرصة، ويأتي على الفور ليتولى خلافة المسلمين، ولكنه لم يشعر بقبول تجاه
هذه الرسالة؛ فأحرقها!!
لقد كان يشعر أنه بعلمه أقوى من أي ملك على وجه الأرض، ومضى الإمام جعفر
الصادق يتعلم العلم ويعلمه الناس في تواضع فريد، يسأله الناس فيجيب دون
كبر أو خيلاء، سأله أحد الناس: لقد قال الله تعالى: {ادعوني أستجب لكم}
[غافر: 60] فما بالنا ندعوه فلا يجيب؟! فقال الإمام جعفر الصادق: لأنك تدعو
من لا تعرف.
وأحب الناس جعفر الصادق والتفوا حوله، فاغتاظ الخليفة المنصور، وحاول أن
يحرج الإمام جعفر الصادق؛ فأمر أبو حنيفة (الفقيه المشهور) أن يهيئ له
مسائل شدادًا يناقشه فيها، فقال أبو حنيفة: فهيأت له أربعين مسألة، والتقى
الإمامان في حضرة الخليفة المنصور، فلم يلْقِ أبو حنيفة مسألةً إلا أجاب
عنها الإمام جعفر الصادق، فقال أبو حنيفة في النهاية: (إن أعلم الناس
أعلمهم باختلاف الناس) لأن جعفر الصادق كان يجيب عن كل مسألة بما أجاب به
كل الفقهاء السابقون ثم يأتي برأيه.
وكان الإمام جعفر الصادق حليمًا لا يغضب؛ كان له غلام كسول يحب
النوم، فأرسله يومًا في حاجة، فغاب، وخشي الإمام أن يكون الغلام قد أصابه
مكروه، فخرج يبحث عنه، فوجده نائمًا في الطريق، فجلس عند رأسه، وأخذ يوقظه
برفق حتى استيقظ، فقال له ضاحكًا: تنام الليل والنهار؟! لك الليل ولنا
النهار.
ولم يخش الإمام جعفر الصادق أحدًا إلا الله، فها هو ذا يقول للخليفة
المنصور عندما سأله: لماذا خلق الله الذباب؟ بعد أن تضايق الخليفة من
ذبابة كانت تحط على وجهه ولم يفلح في إبعادها، فقال الإمام: (ليذل به
الجبابرة).
وأقام الإمام في المدينة وقد جاوز الستين يعلم الناس ويفقههم، وفي الثامنة
والستين من عمره سنة 148هـ توفي الإمام جعفر الصادق، فحزن الخليفة المنصور
عليه حزنًا شديدًا وقال: توفي سيد الناس وعالمهم، وبقية الأخيار منهم، إن
جعفرًا ممن قال الله فيهم: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [
فاطر: 32 ]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:18

سفيان الثوري
في مدينة الكوفة، ولد (سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري) أحد الأئمة الأعلام
سنة 97هـ، وتفتحت عينا سفيان على الحياة، فوجد كتب الحديث والفقه تحيط به
من كل جانب، فقد كان والده من العلماء الكبار الذين يحفظون أحاديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
نشأ سفيان في أسرة فقيرة صالحة تعبد الله حق عبادته، وكانت أمه تنظر إليه
وهو مازال طفلاً وتقول له: (اطلب العلم وأنا أعولك بمغزلي، وإذا كتبت عشرة
أحرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في الخير، فإن لم تَرَ ذلك فلا تتعبن
نفسك).. فيالها من أم صالحة!! لا تفكر في الجاه ولا الثراء، ولكن كل ما
كانت ترجوه لولدها أن يتعلم علمًا نافعًا يبتغي به وجه الله، وبدأ (سفيان)
يتعلم ويجعل من والده قدوة صالحة له، ويستجيب لرغبة والدته التي أحبها من
قلبه.
ومرت الأيام، وأصبح سفيان شابًّا فتيًّا، وفي إحدى الليالي أخذ يفكر ويسأل
نفسه: هل أترك أمي تنفق علي؟ لابد من الكسب والعمل .. لأن أخلف عشرة آلاف
درهم أحاسب عليها، أحب إليَّ من أن أحتاج إلى الناس؛ فالمال ضروري للإنسان
حتى ولو كان عابدًا زاهدًا، ومن أجل ذلك عمل سفيان بالتجارة، ولم يكن
المال هدفه في الحياة، بل وهب سفيان نفسه للعلم وأخذ يتعلم ويحفظ أحاديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصبح في دنياه لا يطلب إلا العلم، فكان
يقول: (الرجل إلى العلم أحوج منه إلى الخبز واللحم).
واشتهر سفيان بين الناس بعلمه وزهده وخوفه من الله، وظل طالب علم،
متواضعًا يتعلم ويستفيد من الآخرين، يستمع إليهم، ويحفظ ما يقولون، وينشر
ما تعلمه على الناس، يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويملي عليهم أحاديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان سفيان الثوري إذا لقي شيخًا سأله: هل
سمعت من العلم شيئًا؟ ولقد منحه الله ذاكرة قوية فحفظ الآلاف من أحاديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي كان يحبها أكثر من نفسه.
كان ينصح العلماء ويقول لهم: (الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا
فسد العلماء فمن يشفي الداء؟!) وكان يقول: (إذا فسد العلماء، فمن بقي في
الدنيا يصلحهم) ثم ينشد:
يا معشرَ العلماءِ يا مِلْحَ البلدْ
ما يصلح الملحَ إذا الملح فَسَدْ
وبمرور الأيام، كانت شهرة سفيان الثوري تزداد في بلاد الإسلام، ويزداد
معها احترام الناس له، لخلقه الطيب، وعلمه الغزير، وحبه لرسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وصحابته، حتى إن أحد العلماء قال عنه: ما رأيت أحدًا أعلم
من
سفيان، ولا أورع من سفيان، ولا أفقه من سفيان، ولا أزهد من سفيان، وكان
الناس يتسابقون إلى مجلسه ويقفون بباب داره في انتظار خروجه.. قال عنه
شعبة وغيره: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما
رأيت أحفظ للحديث من الثوري.
ولذلك كان ينصح الناس قائلاً: أكثروا من الأحاديث؛ فإنها سلاح، وكان يتجه
إلى الشباب الذي كان ينتظر خروجه من منزله ويقول لهم: (يا معشر الشباب
تعجلوا بركة هذا العلم) وكان سفيان لا يخشى أحدًا إلا الله، كثير القراءة
للقرآن
الكريم، فإذا تعب من القراءة وضعه على صدره، حريصًا على الصلاة في الثلث
الأخير من الليل، وإذا نام قام ينتفض مرعوبًا ينادي: النار النار.. شغلتني
النار عن النوم والشهوات، ثم يطلب ماء، فيتوضأ ثم يصلى فيبكي بكاء شديدًا.
عاش سفيان حياته كلها يدعو إلى الله، وكانت سعادته في هداية إنسان عاصٍ
أحب إليه من الدنيا وما فيها، وعرض عليه أن يكون قاضيًا فهرب خوفًا من
الحساب أمام الله، وأرسلت إليه هدايا الملوك والأمراء فرفضها، فعاش حياته
لله، وفي سبيل
الله، وبعد هذه الحياة الكريمة في خدمة الإسلام والمسلمين، مات سفيان الثوري بالبصرة في شعبان سنة 161هـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:19

الليث بن سعد
لله درك يا إمام.. لقد حزت أربع خصال لم يكملن لعالم: العلم، والعمل، والزهد والورع.
في سنة 94هـ، وفي أحد أيامها المباركة ولد الليث بن سعد، في قرية
(قرقشندة) من قرى مصر، ونشأ ذلك الطفل بين ربوع تلك القرية، فوجد الأطفال
يتعلمون القراءة والكتابة ويحفظون القرآن الكريم، فأسرع الليث إلى منزله،
وأحضر أوراقه
وقلمه، وبدأ يحفظ القرآن الكريم، ثم درس الحديث والفقه والعلوم العربية، فسبق زملاءه، وساعده على ذلك نبوغه المبكر، وذكاؤه الفريد.
واصل الليث الدراسة والتعلم والحفظ، فكان كلما قرأ شيئًا في الفقه أو
الحديث عَلَقَ بذاكرته وحفظه فلا ينساه أبدًا، فقد كان قوي الذاكرة، جيد
الحفظ، ولفت الفتى الليث الأنظار إليه بعلمه وورعه، وأصبحت له مكانة كبيرة
بين أهله، يعرفون
فضله، ويقدمونه على من سواه، ولكن الفتى لم يغترَّ بهذه الشهرة، ولم يخلد
إليها ولا إلى التقدير الذي كان له وسط العلماء، بل استمر يتعلم ويتزود
وينهل من غيره من العلماء، حتى صار أستاذًا يدرس للعلماء.
واشتاقت نفس الليث يومًا لزيارة بيت الله الحرام وزيارة المصطفى -صلى الله
عليه وسلم- فشدَّ رحاله وأعد نفسه للسفر، وهناك في تلك الأراضي المقدسة
كانت حلقات العلم منتشرة في كل مكان؛ والتقى هناك بـ(عطاء بن أبي رباح)
و(ابن أبي مليكة) و(نافع مولى ابن عمر) و(ابن شهاب الزهري).. وغيرهم، فأخذ
عنهم ونهل منهم رغم رسوخه في العلم، ومضت الأيام والسنون، وأصبح الليث
شيخًا جاوز الخمسين من عمره، وهو لا يمل العلم والتعلم؛ حتى أصبح من كبار
العلماء في عصره.
وكان الإمام الفقيه الليث بن سعد غنيًّا، ينفق كل سنة على الفقراء
والمساكين أكثر من خمسين ألف دينار ولا يدخر منها شيئًا لنفسه، ويتصدق في
كل صلاة على ثلاثمائة مسكين، ويطعم الناس عسل النحل وسمن البقر في الشتاء،
واللوز والسكر في الصيف.
جاءته امرأة ذات يوم وقالت له: يا شيخنا، إن لي ابنًا مريضًا يشتهي أكل
العسل، فقال الليث: يا غلام، أعطها مرطًا من عسل (والمرط: مائة وعشرون
رطلاً) وكان مع المرأة إناء صغير الحجم، فلما رآه الغلام قال: يا شيخنا
إنها تطلب قليلاً من العسل، فقال الليث: إنها طلبت على قَدْرِهَا ونحن
نعطيها على قدرنا، وأمره أن يعطيها المرط.
ولم يكن الليث بن سعد كريمًا على أهل بلده فحسب، بل كان سخيًّا كريم اليد
على الآخرين، فيحكى عنه أنه لما جاء إلى المدينة المنورة بعث إليه الإمام
مالك بن أنس بطبق من الرطب، فلم يشأ الليث أن يرد الطبق إلى الإمام مالك
خاويًا، فوضع في الطبق ألف دينار ورده إليه.
وقد شهد له كثير من علماء عصره بعلمه وفضله؛ سئل الإمام أحمد بن حنبل ذات
مرة عن الليث، فقال: الليث بن سعد كثير العلم، صحيح الحديث، وقال عنه
يحيى بن بكير: ما رأيت أحدًا أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي
اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، لم أَرَ
مثله.
وقد عرض عليه الخليفة المهدي ذات يوم أن يتولى القضاء، ويعطيه من بيت المال
مائة ألف درهم، فرفض وقال: إني عاهدت الله ألا ألي شيئًا، وأعيذ أمير المؤمنين
بالله ألا أفي بعهدي، فقال له المهدي: الله.. قال الليث: الله.. قال
المهدي: انطلق فقد أعفيتك، وكان الليث زاهدًا في حكام الدنيا، مشغولاً عن
الجاه والسلطان بغرس الأخلاق العظيمة في نفوس الناس، وكان يصل النهار
بالليل في العلم والعبادة ليرضي ربه.
وفي سنة 175هـ توفي الإمام الكبير الليث بن سعد، فحزن الناس عليه حزنًا
شديدًا، وكان الشافعي -رضي الله عنه- يحب لقاءه، فلم يمهله القدر فوقف
يومًا على قبره وقال: لله درك يا إمام، لقد حزت أربع خصال لم يكملن لعالم:
العلم، والعمل، والزهد، والورع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:20

الفضيل بن عياض
الخشية من الله والبكاء يلازمانه، لا يُرى إلا وعيناهٍ تفيض من الدمع،
كلما ذكر اسم الله تعالى عنده ظهر عليه الخوف والوجل، وارتعشت كل أعضاء
جسده، ترى من يكون هذا الرجل الذي غمر الإيمان قلبه ؟!
كان عاصيًا فتاب الله عليه، وجعله من عباده المؤمنين، تحول من قاطع طريق
يروع الآمنين إلى عابد زاهد، وكان سبب توبته؛ أنه كان يتسلق جدران أحد
المنازل بالليل؛ فسمع صوتًا يتلو قوله تعالي: {ألم يأن للذين آمنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} [الحديد: 16] فلما سمعها قال: بلي
يا رب، قد آن.
فرجع فمرَّ على أرض خربة، فوجد بها قومًا، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم:
ننتظر حتى نصبح، فإن الفضيل يقطع علينا الطريق، قال (أي: الفضيل): ففكرت
وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين هاهنا يخافونني !! وما
أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع (أي أن الله قدر لي أن آتي إلى هذا
المكان لأتوب وأرجع إليه) اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة
البيت الحرام.. لقد جعل مظاهر توبته مجاورته لبيت الله حيث الرحمة
والبركة، يدعو الله ويستغفره، ويندم على ما فرط في حقه.
في أرض خراسان ولد (الفضيل بن عياض) ثم رحل إلى الكوفة في العراق، فسمع
الأحاديث النبوية الشريفة والفقه من العلماء؛ أمثال (الأعمش) و(يحيي بن
سعيد الأنصاري) و(جعفر الصادق) فأثرت تأثيرًا كبيرًا في شخصيته، حتى أصبح
من الزهاد الذين يرون أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولا تستحق
أن يتكالب الناس عليها، ويتصارعون من أجلها، فهي فانية زائلة، بل الأولى
أن يعمل الناس
لأخراهم، فهي الباقية الدائمة بفعل الخير، وتجنب المعاصي، ثم انتقل إلى مكة وأقام بها حتى توفي.
وكان إذا خرج في جنازة مع الناس، يعظهم ويذكرهم بالآخرة، حتى إذا وصل إلى
المقبرة، جلس في حزن شديد، وظل يبكي ولا ينقطع بكاؤه، سأله الخليفة
(هارون الرشيد) ما هي صفات المؤمن أيها الزاهد؟ فقال له الفضيل: صفات
المؤمن؛ صبر كثير، ونعيم طويل، وعجلة قليلة، وندامة طويلة.
ومرَّ الفضيل بن عياض على جماعة أغنياء، فوجدهم يلعبون ويشربون ويلهون؛
فقال لهم بصوت عال: إن مفتاح الخير كله هو الزهد في الدنيا، وقد سأله
أحدهم: وما الزهد في الدنيا ؟ فقال: القناعة والرضا وهما الغنى الحقيقي،
فليس الغنى في كثرة المال والعيال، إنما الغنى غنى النفس بالقناعة والرضا
في الدنيا، حتى نفوز في الآخرة، ثم توجه إلى الله داعيًا: اللهم زهدنا في
الدنيا، فإنه صلاح قلوبنا وأعمالنا وجميع طلباتنا ونجاح حاجتنا.
وحجَّ هارون الرشيد ذات مرة؛ فسأل أحد أصحابه أن يدله على رجل يسأله؛ فدله
على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل وقال للرشيد: إن عمر بن عبد
العزيز لما ولِّي الخلافة دعا أناسًا من الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت
بهذا البلاء
(يعني الحكم) فأشيروا علي.. فعدَّ عمر الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك
نعمة، فبكى الرشيد، فقال له صاحب الرشيد: ارفق بأمير المؤمنين، فقال
الفضيل: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟ (يقصد أن عدم نصحه كقتله) فقال
له الرشيد: زدني يرحمك الله..
فأخذ يعظه وينصحه، ثم قال له: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا
الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن
تصبح
وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حَرَّمَ الله
عليه الجنة) [متفق عليه] فبكي هارون وقال له: أعليك دين أقضيه عنك؟ فقال:
نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فالويل لي إن لم ألهم
حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال الرشيد:
هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال
الفضيل: سبحان الله،أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا،
سلَّمك الله
ووفَّقك، ثم صمت فلم يكلمنا؛ فخرج الرشيد وصاحبه، وكان الفضيل شديد
التواضع، يشعر دائمًا بأنه مقصر في حق الله، رغم كثرة صلاته وعبادته.
وتمضي الأيام، ويتقدم السن بالفضيل بن عياض وذات مرة كان بعض الناس جلوسًا عنده، فقالوا له: كم سنك ؟ فقال:
بلغتُ الثَّمانين أوجُزْتهَــــــا
فَمَاذا أُؤمِّلُ أَو أَنْـَتظِــــــرْ
عَلَتْني السِّنُون فأبْلَيْننَــــــي
فَدَقَّ العِظامُ وَكَلَّ البَصَــــــرْ
ومرض الفضيل، فسُمِع يقول: ارحمني بحبي إياك، فليس شيء أحب إلي منك، وأقام
الزاهد العابد الفضيل بن عياض بـ(مكة) حتى توفي عام 187هـ وأطلق عليه
هناك (شيخ الحرم المكي).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:21

أبو حنيفة النعمان
كان كثير العبادة، لا ينام الليل
إلا قليلا؛ حتى سموه (الوتد) لكثرة صلاته، يبكي حتى يسمع جيرانه بكاءه
فيشفقون عليه مما هو فيه من خوف ووجل من الله!!
وأبوه (ثابت) كان تاجرًا غنيًّا أسلم فحسن إسلامه، قيل: إنه التقى بالإمام
على بن أبي طالب -رضي الله عنه- فدعا له الإمام ولذريته بالخير
والبركة، واستجاب الله الدعاء، ورزق الله ثابتًا بطفل أسماه النعمان وكناه
(أبا حنيفة النعمان بن ثابت) وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة بمدينة الكوفة.
نشأ أبو حنيفة في مدينة الكوفة، فوجد الحلقات العلمية منتشرة في كل مكان،
ورأى طلاب العلم يتعلمون ويجتهدون في الدراسة؛ فتلقى العلم على يد شيوخ
وأساتذة كبار، منهم: فقيه الكوفة (حماد بن أبي سليمان) والإمام (جعفر
الصادق) و(عطاء) و(الزهري) و(قتادة).. وغيرهم، وكان(حماد) من أكثر شيوخه
الذين يحبهم؛ فكان أبو حنيفة يحفظ أقواله ويرددها، وأعجب حماد هو الآخر
بتلميذه (أبي حنيفة) حتى قال لمن حوله: لا يجلس في صدر الحلقة بجواري غير
أبي حنيفة.
وبعد موت حماد تولى ابن له اسمه إسماعيل حلقة الدرس بدلا من أبيه، لكنه
ترك مجلس الفقه وانتقل إلى النحو لحبه له، فجاء الناس إلى (أبي حنيفة)
يطلبون منه أن يجلس إليهم ويعلمهم أمور دينهم؛ فقبل أبو حنيفة، وأخذ يدرس
للناس حتى اشتهر فقهه بين البسطاء والأمراء، لكنه لم ينْسَ فضل شيخه
وأستاذه (حماد) بل ظل يذكره بالخير، ويدعو له حتى قال أبو حنيفة: (ما
صليتُ قط إلا ودعوتُ لشيخي (حماد) ولكل من تعلمتُ منه علمًا أو علمته).
وكان أبو حنيفة يهتم بملبسه ومظهره، ويكثر التعطر، ويُرى وقورًا حليمًا،
فهو الذي يقول: (اللهم من ضاق بنا صدره، فإن قلوبنا قد اتسعت له) ولقد سبه
أحد الناس بقوله: يا مبتدع، يا زنديق، فردَّ عليه بقوله: غفر الله لك،
الله يعلم مني خلاف
ذلك، وأني ما عدلت به (أي ما أشركت به أحدًا) منذ عرفته، ولا أرجو إلا
عفوه، ولا أخاف إلا عقابه.
وكان أبو حنيفة كريمًا واسع الكرم، وتاجرًا أمينًا ماهرًا، ظل يعمل
بالتجارة طوال حياته، وكان له دكان معروف في (الكوفة) كان أبو حنيفة -رضي
الله عنه- يحب العمل حتى ينفق على نفسه، فكان يبيع الخز (وهو نسيج من
الصوف).
سمع أبو حنيفة رجلاً يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل؛ فقال: والله
لا يتحدث عني بما لم أفعل؛ فكان يحيي الليل صلاة وتضرعًا، فكان ورعًا، ولا
يحدث بالحديث الذي يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ، وكان يتورع عن القسم خشية
الهلاك، حتى إنه جعل على نفسه إن حلف بالله صادقًا أن يتصدق بدينار.
وكان واسع الصدر هادئ الطبع في حديثه مع الناس، فلقد روي أن رجلاً قال له:
اتق الله، فانتفض، وطأطأ رأسه، وأطرق.. وقال له: يا أخي جزاك الله خيرًا،
ما أحوج الناس في كل وقت إلى من يذكرهم الله تعالى، وكان يخاف عاقبة
الظلم؛ لذا رفض تولي القضاء للخليفة المنصور العباسي.
ومات سنة 150هـ، وصلى عليه خمسون ألف رجل، ودفن في بغداد، ويقال إنه مات في نفس الليلة التي ولد فيها الإمام الشافعي.
وأبو حنيفة هو مؤسس المذهب الحنفي أحد المذاهب الفقهية الأربعة، وقد انتشر
مذهبه في العراق والهند وبلاد المشرق، يقول عنه الشافعي: (الناس عيال في
الفقه على أبي حنيفة) وقال عنه النضر بن شميل: كان الناس نيامًا في الفقه
حتى أيقظهم
أبو حنيفة، وقيل: لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح علمه
عليهم، وقال عنه ابن المبارك: (ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة) وقال عنه
يزيد بن هارون: (ما رأيت أحدًا أحلم من أبي حنيفة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
أبو محمد
رئيس المنتدى
أبو محمد


البلد : الجزائر
ذكر
عدد المساهمات : 6261
نقاط : 39430
تاريخ الميلاد : 06/04/1980
تاريخ التسجيل : 24/06/2009
العمر : 44
الموقع : https://educsud.ahlamontada.com/portal.htm

أعلام الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: أعلام الاسلام   أعلام الاسلام Emptyالجمعة 23 أكتوبر 2009 - 14:22

أحمد بن حنبلخرجت صفية بنت ميمونة بنت عبد
الملك الشيباني من مدينة (مرو) وهي تحمل في بطنها جنينًا، وما إن وصلت إلى
بغداد حتى ولدت (أحمد بن حنبل) في شهر ربيع الأول سنة 164هـ.
كان والده قائدًا في جيش خراسان، أما جده فكان واليًا للأمويين في بلدة
تسمى (سرخس) تابعة لبلاد خراسان، وحين بلغ أحمد من العمر ثلاث سنوات توفي
والده، فنشأ يتيمًا، تكفله أمه وترعاه، وتقوم على تربيته والعناية به،
وعاش أحمد عيشة فقيرة، فلم يترك له والده غير منزل ضيق، مما دفعه إلى
العمل وهو طفل
صغير، فكان يلتقط بقايا الزروع من الحقول بعد استئذان أهلها، وينسج الثياب
ويبيعها، ويضطر في بعض الأوقات أن يؤجر نفسه ليحمل أمتعة الناس في
الطريق، وكان ذلك عنده أفضل من أن يمد يده إلى غيره.
حفظ أحمد القرآن الكريم، ولما بلغ أربع عشرة سنة، درس اللغة العربية،
وتعلم الكتابة، وكان يحب العلم كثيرًا حتى إن أمه كانت تخاف عليه من التعب
والمجهود الكبير الذي يبذله في التعلم، وقد حدث ذات يوم أنه أراد أن يخرج
للمكان الذي يتعلم فيه الصبية قبل طلوع الفجر، فجذبته أمه من ثوبه، وقالت
له: يا أحمد انتظر حتى يستيقظ الناس.
ومضت الأيام حتى بلغ أحمد الخامسة عشرة من عمره فأراد أن يتعلم أحاديث
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كبار العلماء والشيوخ، فلم يترك شيخًا
في بغداد إلا وقد استفاد منه، ومن شيوخه: أبو يوسف، وهشيم بن مشير.
وفكَّر أحمد أن يطوف ببلاد المسلمين ليلتقي بكبار علمائها وشيوخها لينقل
عنهم الأحاديث التي حفظوها، فزار الكوفة والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن،
والشام والعراق وفارس وغيرها من بلاد الإسلام، فكان في رحلاته إذا لم يجد
دابة
يركبها يمشي حتى تتشقق قدماه ليلتقي بكبار العلماء في هذه البلاد، وظل
أحمد طيلة حياته ينتقل من بلد إلى آخر، ليتعلم الحديث حتى أصبح من كبار
العلماء.
سأله أحد أصحابه ذات يوم: إلى متى تستمر في طلب العلم، وقد أصبحت إمامًا
للمسلمين وعالمًا كبيرًا؟! فقال له: (مع المحبرة إلى المقبرة) ومعنى ذلك
أنه سيستمر في طلب العلم إلى أن يموت ويدخل القبر، ولم يكن في عصره أحد
أحفظ منه لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى سَمَّوْه (إمام السنة
وفقيه المحدثين) وقالوا: إنه كان يحفظ ألف ألف حديث!! شملت المكرر من
الحديث والآثار، وفتوى التابعين ونحو ذلك.
وبعد أن تعلم الإمام أحمد بن حنبل ما تعلم، وحفظ ما حفظ من أحاديث رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- جلس في المسجد الجامع ببغداد سنة (24هـ) وعمره
أربعون سنة، ليعلم الناس أمور دينهم؛ فأقبل الناس على درسه إقبالا عظيمًا،
فكانوا يذهبون إلى المسجد في الصباح الباكر ليتخذوا لهم مكانًا يجلسون فيه.
وكان أغلى شيء عند الإمام أحمد بن حنبل ما جمعه من حديث رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- لذلك كان يكتبه في أوراق يحفظها في مكان أمين، وقد حدث
ذات يوم أن سرق لص منزله، فأخذ ملابسه وكل ما في بيته، فلما جاء الإمام
أحمد إلى البيت، لم يسأل عن شيء إلا عن الأوراق التي يكتب فيها أحاديث
رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- ولما وجدها اطمأن قلبه ولم يحزن على ما سرق منه.
ولم يكن الإمام أحمد بن حنبل مجرد حافظ لأحاديث الرسول -صلى الله عليه
وسلم- بل كان يعمل بما في هذه الأحاديث، فيقول عن نفسه: ما كتبتُ حديثًا
إلا وقد عملتُ به، وكان الإمام أحمد زاهدًا في الدنيا، يرضى بالقليل، فقد
كان كثير العبادة والذكر لله.
وقد تعرض الإمام أحمد -رضي الله عنه- للتعذيب والأذى بسبب شجاعته من
مواجهة الفتن والبدع التي حدثت في زمانه، تلك الفتن التي تعرض من أجلها
للضرب والسجن في عهد الخليفة المعتصم، فكان يُضرب بالسياط، حتى أغمي عليه
عدة مرات، ودخل السجن وظل فيه عامين ونصف، ثم خرج منه مريضًا يشتكي من
الجراح، وظل في منزله بعض الوقت؛ حتى شفي وعاد إلى درسه، ولما تولى
الخليفة (الواثق) الخلافة لم يتعرض الإمام أحمد للإيذاء، لكنه منعه من
الاجتماع بالناس، فظل معزولاً عنهم، حتى مات الخليفة (الواثق) وتولى
(المتوكل) الخلافة الذي عامل الإمام أحمد معاملة حسنة وعرض عليه المال،
فرفضه، لكنه ألح عليه أن يأخذه، فتصدق به كله على الفقراء.
ورغم انشغال الإمام أحمد الشديد بالعلم وضيق وقته فإنه كان شديد الاهتمام
بمظهره، فقد كان من أنظف الناس بدنًا، وأنقاهم ثوبًا، شديد الاهتمام
بتهذيب شعر رأسه، وكان الإمام أحمد يميل إلى الفقراء، ويقربهم منه في
مجلسه، وكان حليمًا، كثير التواضع تعلوه السكينة والوقار، وكان إذا جلس في
مجلسه بعد العصر لا يتكلم حتى يُسأل، كما كان -رضي الله عنه- شديد الحياء،
كريم الأخلاق، سخيًّا، وكان مع لينه شديد الغضب لله.
والإمام أحمد مؤسس المذهب الحنبلي أحد المذاهب الفقهية الأربعة، وقد ترك
الإمام أحمد كتبًا كثيرة منها: (المسند) وهو أكبر كتبه وأهمها بل هو أكبر
دواوين السنة النبوية، إذ يحتوي على أربعين ألف حديث، وكتاب (الزهد)
و(الناسخ
والمنسوخ).
ومرض الإمام أحمد -رضي الله عنه- واشتد عليه المرض يوم خميس، فتوضأ، فلما
كانت ليلة الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 241هـ، وفي بغداد صعدت
روحه إلى بارئها، فحزن عليه المسلمون حزنًا شديدًا، وصاح الناس، وعلا
بكاؤهم، حتى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع، وأخرجت الجنازة
بعد انصراف الناس من صلاة الجمعة، وشيعه ما يقرب من ست مائة ألف إنسان،
بالإضافة إلى الذين صعدوا إلى أسطح المنازل ليلقوا نظرة الوداع الأخيرة
على الإمام أحمد بن حنبل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://educsud.ahlamontada.com
 
أعلام الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سلسلة أعلام الاسلام للاطفال
» أعلام المسلمين
» الاسلام في الصين
» حكم الهديه في الاسلام وفن تقديمها
» بيان مفهوم الاسلام الحضاري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الجنوب التعليمي :: الفئة الثالثة :: المنتدى التاريخي :: قسم التاريخ العام-
انتقل الى: