-1التعريف بالعصور الحديثة والمعاصرة
درج المؤرخون الغربيون، و بالذات الأوروبيون منهم على تسمية القرون الثلاثة التي تلت القرن الخامس عشر الميلادي، و هي : القرن السادس عشر، القرن السابع عشر و القرن الثامن عشر بالعصور الحديثة، و على تسمية ما تلاها من القرون بالمعاصرة ،نظرا للتطورات الهامة التي شهدتها القارة الأوروبية، و خاصة في قسمها الغربي، في مختلف المجالات، و جوانب الحياة خلال القرون الثلاثة المذكورة، و لا سيما خلال الحقبة المعاصرة التي غدت التطورات فيها تجري بخطوات أسرع وأعمق، و أوسع، وأشمل.
ومع أن تاريخ العرب في المغرب و المشرق لم يشهد تطورات مماثلة لتلك التي شهدتها أوروبا الغربية ثم أمريكا الشمالية أيضا في العصور الحديثة و المعاصرة، فإن المؤرخين العرب جاروا نظراءهم الأوروبيين في تقسيم القرون الخمسة التي تلت القرن الخامس عشر الميلادي/التاسع عشر الهجري إلى مرحلتين أساسيتين : قسموا الأول بالعصور الحديثة و تشمل القرون 10،11،12 الهجرية الموافقة للقرون 16،17،18 الميلادية، و سموا الثانية بالمعاصرة، و تشمل القرنين 19،20 الميلاديين، و ما يوافقها من القرون الهجرية و هي 13،14،15 ، معتبرين أن تاريخ العرب الحديث أو المعاصر مجرد مرحلة زمنية، تواكب المرحلة الزمنية التي اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالحديثة أو المعاصرة، و لو لم تحمل تلك القرون في طياتها حديثا، أو تطورا ذا بال في هذه المرحلة أو تلك، لأن عدم غض النظر عن ذلك يوجب على المؤرخين العرب أن يوجدوا تقسيما أو أكثر يتناسب مع تطور بلدانهم، و لن يتوافق ذلك حتما مع تقسيم المؤرخين الغربيين المذكور.
إن التفاهم بين المؤرخين العرب، و الغربيين و غيرهم يغدو عسيرا أو غير ممكن إذا كان لمؤرخي كل بلد أو أكثر تقسيماتهم الزمنية للماضي، و مصطلحاتهم المختلفة مع غيرهم. فمن أجل تيسير التفاهم فقط بين المؤرخين يكاد يكون الإجماع الآن حاصلا بينهم على تقسيم ماضي البشرية إلى الأقسام الزمنية الخمسة الآتية :
1- عصر ما قبل التاريخ :
و يمتد من العصور السحيقة في القدم ،إلى ظهور الكتابة قبل نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.
2- العصور القديمة :
ومدتها أربعة آلاف عام، تبتدئ بظهور الكتابة في الشرق الأدنى و تنتهي بسقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب الأوروبي في سنة 476م.
3- العصور الوسطى :
و مدتها ألف عام تقريبا ،تنتهي باكتشاف العالم الجديد في سنة 1492م.
4- العصور الحديثة :
و مدتها ثلاثة قرون، و تنتهي بثورات آخر القرن الثامن عشر الميلادي، و أهمها الثورة الفرنسية في عام 1789م.
5- التاريخ المعاصر
و يمتد من نهاية العصور الحديثة إلى الآن .
وإذا كان المؤرخون العرب المعاصرون اصطلحوا على أن تكون بداية العصور الحديثة متوافقة مع بداية العصور الحديثة في أوروبا، فإنهم حرصوا على أن تكون بداية تلك العصور، و نهايتها متوافقتين مع الأحداث الهامة التي تخص العرب على الخصوص، و لو أدى ذلك إلى تعديل بسيط في البداية و النهاية .فبداية العصور الحديثة عندهم تبتدئ بسقوط غر ناطة من أيدي المسلمين في سنة 1492م، أو وقوع معظم البلاد العربية تحت السيادة العثمانية، و انتقال الخلافة الإسلامية من أيدي العرب إلى السلاطين العثمانيين في أعقاب بسط هؤلاء سيادتهم على مصر، المقر الأخير للخلافة العباسية في سنة 1517م ،و هو تاريخ قريب من بدايات العصور الحديثة عند الأوروبيين.
و لابد من الإشارة إلى أن هناك من المؤرخين المسلمين و الغربيين من يعتبر الفتح العثماني للقسطنطينية في سنة 1453م، وزوال الإمبراطورية الرومانية نهائيا منها بداية للعصور الحديثة، و نهاية للعصور الوسطى، بدلا من تاريخ 1492م ، تاريخ اكتشاف العالم الجديد، و زوال حكم المسلمين من غر ناطة.
أما نهاية العصور الحديثة عند المؤرخين العرب فتتوافق مع بداية اليقظة العربية في أواخر القرن الثامن عشر) أوائل القرن الثالث عشر هجري، التي تتوافق بدورها مع الحملة الفرنسية على مصر في 1798م، و هو تاريخ قريب جدا من نهاية العصور الحديثة عند الغربيين الذي يتوافق مع قيام الثورة الفرنسية عام 1789م.
وأما الحقبة المعاصرة فهي التي تتوافق مع بداية اليقظة العربية، و تمتد إلى الوقت الحاضر، فهذه الحقبة متطابقة تماما مع الحقبة المعاصرة عند الغربيين.