-الدراسة الاجتماعية: التسمية والسكانالمغرب تعبير يدل على الجهة التي تغرب فيها الشمس، ثم أصبح يدل على المنطقة الواقعة غرب العاصمة لجهة
مغرب الشمس. وأول من استعمل هذا المعنى الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه؛ إذ خاطب الخوارج قبل معركة
النهروان بعد أن قتلوا رسوله إليهم الحارث بن مرّة«...أن ابعثوا إلي بقتلة إخواني فأقتلهم ثم أتارككم إلى أن أفرغ
من قتال أهل المغرب...».ثم تحدد بالمنطقة الواقعة غرب مصر من طرابلس شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ومن البحر
المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.
يشتمل المغرب ثلاث مناطق طبيعية وهذا التقسيم يرجع إلى قرب وبعد المنطقة عن بلاد العرب والحجاز.
المنطقة الأولى عرفت بالمغرب الأدنى أو إفريقية، وهذه الأخيرة اختلف المؤرخون حول أصل تسميتها لكن
الذي غلب لدى المؤرخين المسلمين أنّها مستمدة من إفريقش بن قيس بن صيفي اليمني الحميري الذي جاء
واستقر على هذه الأرض. تمتد هذه المنطقة من برقة إلى نفوسة.
ويلي إفريقية المغرب الأوسط ويمتد من بجاية شرقا إلى وهران غربا، وأطلق ابن عذارى اسم بلاد الزاب على هذه
المنطقة وذكر أنّها تمتد من طرابلس شرقا إلى مدينة تيهرت غربا.
أما المنطقة الثالثة فهي المغرب الأقصى أبعد أجزاء المغرب عن الحجاز. يمتد المغرب الأقصى من البحر المتوسط
شمالا إلى جبال درن جنوبا، ومن وادي ملوية وممر تازا شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا حتى مدينة آسفي
وحسب الحقائق المتوفرة عن سكان شمال إفريقيا، فقد أطلق عليهم اسم بربر وهو يعني حسب المفهوم
اليوناني والمفهوم الروماني إنسان أجنبي لا يتكلم اللغة اليونانية ونفس الكلمة استعملها الرومان عندما تغلبوا على
اليونانيين حيث أطلقوا اسم البربر على جميع السكان الذين لا يتكلمون لغتهم ولا ينتمون إلى سلالتهم أو عرقهم.
وهو نفس التعبير الذي استخدمه ابن خلدون في كتابه العِبر حين تعرّض لفرق البربر وأنسابهم ومواطنهم،
ويذكر ابن خلدون أنّ سبب تسميتهم بربر بنسب إلى أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة الذي غزا
المغرب وإفريقية وبنى بها المدن والأمصار، وأنّ إفريقية سميّت باسمه، وأنّه سمع السكان الأصليين يتكلمون بأصوات
مختلفة فقال لهم أفريقش ما أكثر بربرتكم؛ أي كلامكم غير المفهوم،فسموا البربر
وقال الفيروزبادي صاحب القاموس المحيط أنّ البربرة كثرة الكلام والجلبة والصيّاح والفعل هو بَرْبَرَ.
نفهم من هذا أنّ مصطلح بربر ليس مفهوما اثنيا ولكنه مفهوم لغوي
رغم الخلاف حول أصل البربر ونسبهم والمكان الذي قدموا منه في الأصل، فإنّ معظم الباحثين متفقون بأنّهم
ينتمون إلى الجنس السّامي ومن أبناء مازيغ ابن كنعان، وقد أكّد هذه الحقيقة العلامة ابن خلدون الذي قال حول
هذا الموضوع ...والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنّهم من ولد كنعان بن حام بن نوح... وأنّ اسم
أبيهم مازيغ. ونفس الحقيقة أكدها وفد من سكان شمال إفريقيا حين صرّح أعضاؤه أمام الخليفة عمر بن الخطاب
بعد فتح مصر إذ اعتبروا أنفسهم أمازيغ ولم يقولوا أنّهم بربر. وكلمة مازيغ تعني الرجل الحر
كما أنّ البربر تربطهم صلة قرابة بالعرب وليسوا غرباء عنهم، ويؤكد معظم المؤرخين وعلى رأسهم ابن خلدون
أنّ البربر ينتمون إلى قيس بن عيلان بن مضر من جزيرة العرب وهناك أمثلة عديدة: فقبيلة لواته المغربية من حِمْيَرْ
(اليمن)، وهوّارة من كندة في قلب الجزيرة العربيةوزناتة من التبابعة أو من العمالقة وكلهم قبائل عربية.
ب-أخلاق البربر وطباعهم: في هذا السيّاق يجذبنا وصف ابن خلدون لهم وقد كان وصفا رائعا حيث جاء في
كتابه العِبَرْ قوله:... وأمّا تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما حُبِلوا عليه من الخلق الكريم،
من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الأدمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في
الشدائد وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام والرحمة بالمسكين وبرِّ الكبير وتوقير أهل
العلم وحمل الكَلِّ وتهيئة الكسب للمعدوم وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلو الهمة وإباء الضيم
ومقارعة الخطوب وغلاب الملك...بالإضافة إلى البربر كان هناك أقليّات تعيش على أرض المغرب أهمّها على الإطلاق اليهود والرومان.
فبالنسبة لليهود، فتاريخ وجودهم بمنطقة الشمال الأفريقي يعود إلى عهد بختنصر ملك الأشوريين أي إلى سنة 586ق.م
وكانوا يعتبرون جالية مستقلة لأنّهم تجنبوا دوما الاختلاط مع السكان واهتموا فقط بخدمة مصالحهم الاقتصادية.
أمّا الرومان فقد سيطروا على معظم الشريط الساحلي لشمال إفريقيا وذلك ابتداءً من سنة 576م وعملوا على
نشر عقيدة المسيحية بين السكان وإيصال الحضارة لهم وآثارهم التي ما زالت قابعة في معظم مناطق الشمال
الأفريقي برهان على ذلك، لكن تأثيرهم لم ينفذ إلى قلب الشمال الأفريقي ونقصد به منطقة الصحراء الكبرى،
فلما دخل الفاتحون العرب إلى هذه المناطق وجدوا سكان تلك المناطق متمسكين بثقافتهم وعاداتهم القبلية.
ج-الدين: كان سكان الشمال الأفريقي من قديم الزمان يدينون بالمجوسية وكانوا أحيانا يدينون بدين من
غلب عليهم من الأمم، أمثال البيزنطيين الذين نجحوا في تمسيح أعداد هائلة من السّكان.ومن أشهر الديانات
للبربر دين وثني جاءوا به من المشرق وكانوا يعتقدون بوجود إله يدير هذا الكون، ولكن لا ذات له ترى وإنّما
تجلى لهم في المظاهر التي تروعهم بقوتها وبجمالها أو بغرابتها فلذلك يعبدون تلك المظاهر وهذا الإله الذي
يعتقدون أنّه مصدر حياة الكون اسمه أمون ومظاهره هي الكبش الأقرن القوّي وبعض الحيوانات الأخرى
مثل الطاووس، وكانوا يعتقدون أنّ قتل هذه الحيوانات أو ضربها يلحق بهم عاهات كبيرة كالجنون والشلل،إلخ
2-الدراسة الاقتصادية: كان النشاط الاقتصادي لسكان شمال إفريقيا هو الزراعة في المقام الأول، نظرا لوفرة الزرع
وتنوعه فكان معظم البربر فلاحين وكانت أرضهم هي مورد رزقهم الأساسي، لكن أوضاعهم تغيرت مع مجيء
الرومان؛ حيث قام هؤلاء بالاستيلاء على الأراضي الخصبة التي يملكها ملوك البربر أو الشعب وقد كانت سياسة
الرومان واضحة في هذا الشأن إذ تأخذ الدولة المساحات التي تحتاجها ثم تقوم بتوزيع جزء من أراضي البربر
على السكان الذين ينتمون إلى روما وإلى قدماء الجنود الرومانيين، وما تبقى يحتفظ به السكان الأصليين
ولكن مع دفع الضرائب ( ضريبة على الفرد، ضريبة على المبادلات التجارية، ضريبة لتغطية تكاليف رجال الأمن )
وهناك موظفون مكلفون بجمع هذه الضرائب وهم من البربر ويعرفون ب: العشّارين
وننوّه هنا إلى حقيقة لا بّد من إبرازها، وهي أنّ منطقة الشمال الإفريقي عرفت انتعاشا اقتصاديا في
أواخر الحكم البيزنطي بالمنطقة، وهذا بفضل الإمبراطور جريجوريس الذي حكم سنة 641م وقد نجح في
جلب تأييد سكان شمال إفريقيا ومنهم سكان برقة وطرابلس.
أمّا بخصوص اليهود، فنشاطهم لم يختلف منذ ظهورهم على سطح هذه الأرض، فقد اعتمدوا على التجارة
والمعاملات الاقتصادية من قروض ورهون ، إلى جانب بعض الصناعات كالخياطة والصياغة وهذه الأخيرة كان
لها الحظ الأوفر نظرا لتوفر معدن الذهب بشمال إفريقيا وبالخصوص في منطقة المغرب الأدنى ( قرطاجنة) والمغرب الأقصى.
3-الأوضاع السياسية قبيل الفتح الإسلامي: (602-647م/25هـ
كانت منطقة ساحل إفريقية الشمالي خاضعة لنفوذ الروم، وعاصمتهم وقتذاك قرطاجنة وكانت تحكمها
حاميات رومانية يرأسها حاكم عام يعينه الإمبراطور. وفي السنوات القليلة التي سبقت الفتح الإسلامي عيّن
الإمبراطور موريس البطريق هرقل القائد الأعلى على المغرب سنة 600م، هذا الأخير الذي أعلن معارضته للإمبراطور
الجديد فوكاس الذي اعتلى العرش سنة 602م خلفا للمغدور به موريس، وبرز ذلك بوضوح عندما أراد أن يفصل
منطقة إفريقية من الإمبراطورية، وقد نجح في جمع وكسب تأييد سكان القسطنطينية وكل روما ضد ذلك الإمبراطور الغاشم.
إلى جانب ذلك ساعده موقف سكان شمال إفريقيا من البربر الذين أيّدوه نظرا لحكمه العادل مقارنة مع باقي
الحكام السابقين، إلاّ أنّ هرقل كان طاعنا في السِّن فاقترح ابنه هرقل الشاب ورفعه إلى مرتبة الإمبراطور، فأعدّ
جيشا من البربر بقيادة ميسيتاس ابن أخيه الذي تمّكن من الاستيلاء على الإسكندرية فيما بين سنتي(608-609م)،
في الوقت الذي كان فيه هرقل الصغير يقود أحد الأساطيل الحربية بقصد الاستيلاء على القسطنطينية والإطاحة
بحكم الإمبراطور فوكاس.
نفهم من ذلك، أنّ منطقة شمال إفريقية كانت قاعدة ومنطلق لحركات المعارضة للحكم الروماني في
القسطنطينية في أواخر حكمها قبل الفتح الإسلامي، وأنّه كان للبربر دور بارز في تلك الحركات، وبالفعل فقد
نجح هرقل الإمبراطور الجديد من القضاء على فوكاس سنة 610م وأصبح إمبراطورا على الدولة البيزنطية
وأصبحت إفريقية مركزا لاهتمامه ومحط آمال الإمبراطورية في أشد فترات حياتها، فعندما احتل الفرس
أرمينيا وحاصروا الإسكندرية بقصد منع تزويد القسطنطينية بالرجال والمؤن تولت إفريقية أمر هذه المؤن
وكانت تزود القسطنطينية بالجنود والأساطيل.
وعلى عكس الفترات السابقة من الحكم الروماني في شمال إفريقيا الذي كان يتميز بالشدة والعنف،
من تمييز عنصري وسفك للدماء وفرض للضرائب الباهضة على السكان والاستحواذ على الأراضي الشاسعة الخصبة.
إلاّ أنّ إفريقية شهدت في أيّام الإمبراطور هرقل عصرا من السلام لم تشهده من قبل، وتمتع البربر وهم الأكثرية
في المنطقة بالكثير من الحرية والاطمئنان، وفي خلال هذه الفترة انتشرت حركة التبشير المسيحي ودخل العديد
من السكان البربر في المسيحية وصار ممثلوها من القساوسة والرهبان هم الحكام الفعليين في المنطقة وأصبح البابا
القطب الذي يتوجه إليه السكان يطلبون حمايته من مظالم الإدارة البيزنطية وقد ازداد نفوذه في البلاد وصار
يتدخل في الشؤون الإدارية. وقد صار البطريك جريجوريوس( جرجير) حاكما عاما على إفريقية وأعلن عن رغبته
عن فصل إقليمي برقة وطرابلس عن الإمبراطورية البيزنطية وقد أيّده سكانها من البربر خاصة بعد ظهور
مذهب المونوثيلية SMonothélisme الذي أوجده بطريك القسطنطينية سيرجيوس ويقرّ هذا المذهب أنّ
المسيح جاء بصفة إله وليس كما يقر معظم الكاثوليك أنّه أظهر كل من طبيعتيه بإرادة واحدة إلهية وبشرية في آن واحد.
فسرجيوس ينكر صفة البشرية في المسيح عيسى عليه السلام، ومما زاد في تأزم الأوضاع أنّ الإمبراطور هرقل أيّد هذا
المذهب،هذا ما أثار غضب واستنكار قساوسة إفريقية وعلى رأسهم جريجويوس الذي أعلن سنة 646م استقلاله
عن الإمبراطورية البييزنطية وتلقب بموافقة الشعب المغربي –إمبراطورا- ولقد ضرب جريجوريوس العملات باسمه
وجعل قرطاجنة عاصمة حكمه، غير أنّه عندما بدأت حملات المسلمين تصل إلى إفريقية وخصوصا بعد سقوط حكم
الرومان بمصر؛ قرّر جريجوريوس نقل عاصمته إلى سبيطلة في وسط إفريقية.
هذا فيما يخص منطقة ساحل إفريقية، أمّا فيما عاداها من الصحاري والمزارع وإلى غاية الجنوب في
منطقة السوس الأدنى (السودان) والسوس الأقصى(مراكش)، فالحكم كان بيد البربر الذين يقول عنهم ابن خلدون
في كتابه العبر: كان للبربر في الضواحي ولراء ملك الأمصار الرومية مالا يحد من قوّة وعدة وعدد وملوك
ورؤساء... وأمراؤها لا يرامون بذل ولا ينالهم الروم والإفرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة الإساءة
ويصفهم ابن خلدون بأنّهم كانوا في دور البداوة عند الفتح العربي الإسلامي، وكانوا لا تجمعهم أمة بل
يعيشون في حياة قبلية.